الثلاثاء، 2 فبراير 2010

التدين وعلم النفس

احتل الدين قديما مكانة خاصة في حياة الأفراد والمجتمعات، فإذا ما رجع الباحث إلى ماضي الشعوب في مختلف أنحاء العالم فانه يجد أينما توجه سطورا من الفكر الديني، وأشكالا من الشعائر والطقوس، ومظهرا من مظاهر الاهتمام بالحياة الدينية والروحية، وواجد أيضا من التقاليد والعادات والبناءات ما يؤكد مكانة الدين ويدعم أهميته (بارندر، 1993).

وفي الحاضر رغم تراجع الدين في العديد من المجالات، وانحصار تأثيره في الباقي منها، فإنه ما يزال ذا مكانة لدى الفرد، سواء في الشرق أوفي الغرب. يذكر مككلوت وآخرون McCllough et al (2000) ملخِّصا نتائج الدراسات المسحيّة المتعلقة بمكانة الدين عند الفرد الأمريكي بأن 90% من الأمريكيين ينتمون إلى ديانة رسمية، وأن 96 % يعتقدون في وجود اله أو قوة روحية عالمية، وأن 42 % يواظبون على ممارسة الشعائر الدينية،وأن 60 % يوافقون على عبارة ” الدين عنصر مهم في حياتي “(McCllough et al, 2000: 211).

ومن جهة الشرق نجد حسن (2005)، في دراسته للالتزام الديني في المجتمعات الإسلامية (1) يورد نتائج تماثل النتائج السابقة عن الفرد في الغرب، حيث يورد أن 97% من العينة المصرية يعتقدون في وجود الله، وأن 90%يؤدون الصلوات الخمس، وأن 57% يواضبون على تلاوة القرآن الكريم يوميا أو مرة في الأسبوع، وأن 52% يصرحون بأنهم يعتمدون وصايا القرآن وتوجيهاته في اتخاذ قرارات ذات علاقة بحياتهم المعيشية، ويخلص في دراسته إلى كون الدين يلعب دورا جوهريا في النشاط اليومي لدى غالب المسلمين.(Hassen, 2005: 9-17, 27 )

وينقل عزي(2000) اعتمادا على مسح ميداني شمل 1000 مستجوب في كل من تونس والجزائر والمغرب، أن 76.9% يؤدون الصلاة بانتظام، ويمنحون الدين دورا أساسيا كمرشد لهم في الحياة الشخصية والعائلية (عزي، 2000: 38).

رغم الدور الذي لعبه الدين والتدين وما يزال يلعبه في حياة الأفراد وأهميته بالنسبة لهم، فانه في المقابل لم يشغل إلا حيزا ضئيلا من الاهتمام ضمن أعمال علماء النفس على امتداد القرن الماضي ( انظر في ذلك Miovic, 2004 ).وقد سيطرة نزعة النفور والانزعاج على العلاقة بين الدين وعلم النفس، وكانت الطابع الغالب على مجمل الدراسات في هذا الميدان كما يشير برجن(1983) في (Jones, 1994)

وتعتبر نزعة النفور والانزعاج بل والعداء الطابع الغالب على العلاقة بين الدين والعلم عموما(انظر في ذلك يوسف،1966.وعروة،1987.وJones,1994). ومبدأ العلاقة العدائية بين العلم والدين،كما يقول ستراك وفينك (2000) في (Dollahite & tatsher, 2005: 3) يعود إلى فترة التنوير، حينما انطلق الباحثون الناقمون على الكنيسة من اقتناع مؤداه أن ” الدين ليس خطأ وزورا فحسب بل شرا ووبالا لا بد من الخلاص من”.وظل هذا الطرح مسيطرا على البحث العلمي لأكثر من ثلاثة قرون.

أما في المجال النفسي و حسب هال وبراجمنت (Hill & Pargament, 2003: 66) فان اضطراب العلاقة بين علم النفس والدين يمكن ارجاعه الى سببين : الأول: مكانة الدين والتدين في حياة علماء النفس وضمن عملهم، حيث يقتصر الدين على دور جد محدود في حياة غالب علماء النفس، الثاني: ان موضوع الدين والتدين كان دائما خارج الموضوعات السباقة scoupe التي تلق عناية مركزة، ودعما واسعا من الجهات والمؤسسات العلمية.ونجد انعكاس ذلك واضحا في غياب موضوع الدين في كتب علم النفس المدرسية وفي البرامج التعليمية. (Hill & Pargament, 2003: 66).

في تحليل هل و براجمنت تصوير للواقع الديني لدى علماء النفس في الغرب، ففي مسح تم سنة 1984 بأمريكا حول الانتماءات الدينية للجامعيين وجد أن علماء النفس من ضمن آخر المتدينين، حيث أن 50 % كانت إجاباتهم بعدم الانتماء إلى أي دين مقارنة ب10 % في المجتمع العام. وخلاصة ما تم من دراسات حول الدين والمعالجين النفسيين تشير إلى أن المعالجين النفسين اقل الفئات في المجتمع ارتباطا بالقيم والاعتقادات والتقاليد الدينية، حيث أن 33 % فقط من النفسانيين العياديين يصفون الدين بأنه الأكثر أهمية في حياتهم بالمقابل نجد النسبة تصل إلى 72 % في المجتمع العام(Jones, 1994).

إلا أن العقود الأخيرة قد شهدت عودة أكثر وضوحا وبقوة في دراسة موضوع الدين والتدين في علاقته بمختلف جوانب الحياة، وبالأخص بعد ما أبرزت المسوح السكانية والدراسات الوبائية الطبية اثره في المجال الأسري والصحي، فاتحة المجال لبروز طروحات وبراديجمات بحث جديدة في دراسة الدين، ترى أن الدين (و التدين) عامل مرتبط بالعديد من جوانب حياة الفرد الشخصية والاجتماعية، وانه عامل لم يحض بالاهتمام الكافي، (Dollahite & tatsher, 2005: 3) . الامر الذي دفع رواد الوجهة الجديدة في دراسة التدين الى تسميته بـ” العامل المنسي” ” The Forgotten Factor ” (Johnson et al, 2000: 32 )..

وقد تجلت العودة إلى الدين والسلوك الديني في اهتمام المؤسسات البحثية النفسية بدور الدين في تكوين شخصية الفرد وفي تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي له. فتم إنشاء أول وحدة بحوث للخبرة الدينية في جامعة أكسفورد سنة 1969.( موسى، 1996: 21 ).واعتبرت جمعية علم النفس الأمريكية عام 1992 الدين مكونا رئيسيا في الشخصية الإنسانية، وتبعتها الجمعية الأمريكية للإرشاد عام 1996 والجمعية الأمريكية للعلاج الأسري عام 1998.(محمود، 2004: 576). كما اعتبرت المشكلات الروحية من ضمن مؤشرات تشخيص الإضطرابات في الدليل الإحصائي الرابع DSM IV.(الحجار، 2004: 277).

و على الصعيد العربي فان موضوع الدين والتدين كان محل اهتمام علماء النفس خاصة منذ الثمانينيات من القرن الماضي، حيث تركزت إسهامات نجاتي وأبو حطب والهاشمي والشرقاوي والطويل والشناوي وموسى وغيرهم، كما تعددت الدراسات الجامعية على مستوى الماجستير والدكتوراه التي تناولت السلوك الديني كمتغير في علاقته بمتغيرات أخرى متنوعة (انظر موسى، 2001: 17-19)
1 شملت الدراسة 6000 فردا من الدول الإسلامية التالية : اندونيسيا وماليزيا وباكستان وإيران ومصر وتركيا وكزخستان.
جميع الحقوق محفوظة © 2015 جدّد حياتك
برمجة : يعقوب رضا